الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

[1] عمارة المساجد

التحليل اللفظي

{ أَن يَعْمُرُواْ }: عمارة المسجد تطلق على بنائه وإصلاحه، وتطلق على لزومه والإقامة فيه لعبادة الله، فالعمارة قسمان: حسيّة ومعنوية، وكلاهما مراد في الآية.

{ شَاهِدِينَ }: أي مقرين ومعترفين به، وذلك بإظهار آثار الشرك والوثنية.

{ حَبِطَتْ }: ضاعت وذهب ثوابها.

{ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ }: إقامة الصلاة: الإتيان بها على الوجه الأكمل، معتدلة مقوّمة بسائر شروطها وأركانها.

{ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ }: أي لم يخف إلا الله، والخشية في اللغة معناها الخوف.

المعنى الإجمالي

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: لا ينبغي للمشركين ولا يليق بهم، وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله، وهم في حالة الكفر والإشراك بالله، لأن عمارة المساجد تقتضي الإيمان بالله والحبّ له، وهؤلاء كفروا بالله شهدت بذلك أقوالهم وأفعالهم، فكيف يليق بهم أن يعمروا بيوت الله!!

هؤلاء المشركون ضاعت أعمالهم وذهب ثوابها، وهم في جهنم مخلّدون في العذاب، لا يخرجون من النار، ولا يخفف عنهم من عذابها بسبب الكفر والإشراك.

ثم أخبر تعالى أنّ عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله، المطيعين له، المصدّقين باليوم الآخر، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويخشون الله حق خشيته، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين، الفائزين بسعادة الدارين، المستحقين لرضوان الله.

سبب النزول

روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبّخُ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم، فقال العباس: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا: وهل لكم من محاسن؟ قالوا: نعم، إنّا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني فنزلت { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } الآية.

وجوه القراءات

1 - قرأ الجمهور { أَن يَعْمُرُواْ } وقرأ ابن السميقع (أن يُعْمِروا) بضم الياء وكسر الميم من (أعمر) الرباعي بمعنى أن يعينوا على عمارته.

2 - قرأ الجمهور { مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } بالجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (مسجد الله) بالإفراد.

وجوه الإعراب

1 - قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ } أن المصدرية وما بعدها في موضع رفع اسم كان و(للمشركين) خبرها مقدم، و (شاهدين) حال من الواو في (يعمروا).

2 - قوله تعالى: { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } عسى من أخوات (كان) وجملة (أن يكونوا) خبرها، واسم الإشارة اسمها، والخبر يكون فعلاً مضارعاً في الغالب كما قال ابن مالك:
ككان " كاد " و " عسى " لكنْ ندرْ   غير مضارع لهذين خَبَرْ
وجه المناسبة بين الآيات الكريمة

مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر البراءة من المشركين، وأنواعاً من قبائحهم وجرائمهم التي توجب البراءة منهم، ذكروا أنهم موصوفون بصفات حميدة تعلي مقامهم وترفع مكانتهم، منها سقايتهم للحاج وعمارتهم للمسجد الحرام فردّ الله عليهم بهذه الآيات الكريمة.

السابقالتالي
2 3