الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } * { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } * { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } * { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } * { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } * { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً }

[1] تلاوة القرآن

التحليل اللفظي

{ ٱلْمُزَّمِّلُ }: قال اللغويّون: " المزّمل " الملتف في ثيابه، وأصله (المتزمّل) فأدغمت التاء في الزّاي فثقّلت، وكل من التفّ بثوبه فقد تزمّل قال أمرؤ القيس:
كأنّ أبانا في أفَانينِ وَدْقِهِ   كبيرُ أُناسٍ في بجَادٍ مزمّل
وقال ذو الرمّة: ومن نائمٍ عن ليلها متزمّل.

{ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ }: قال الزجّاج: رتّل القرآن ترتيلاً: بيّنه تبييناً، والتبيين لا يتم إلاّ بإظهار جميع الحروف، وتوفيتها حقها من الإشباع.

وقال المبرّد: أصله من قولهم: ثغر رتل إذا كان بين الثنايا افتراق ليس بالكثير، وقال الليث: الترتيل تنسيق الشيء، وثغر رتل: حسن التنضيد.

ومعنى الآية: اقرأ القرآن على تُؤدة، وتمهّل، وتبيين حروف، مع تدبر المعاني.

{ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ }: أوقات الليل وساعاته، سميت بذلك لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء، يقال: نشأ السحاب إذا ابتدأ، فناشئة (فاعلة) من نشأت تنشأ فهي ناشئة، والمراد ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم.

وقال الزمخشري: ناشئة الليل: النفس الناشئة بالليل، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض، وأنشد ابن السكيت:
فلمّا أن تَنَشّأ قام خِرْق   من الفتيان مختَلَق هضوم
{ أَشَدُّ وَطْأً }: أي أثقلُ على المصلي من ساعات النهار، من قول العرب: اشتدت علينا وطأةُ السلطان، إذا ثقل عليهم ما حمَّلهم من المؤن وفي الحديث: " اللهمّ اشدُدْ وطأتك على مُضَر " فالليل وقت النوم والراحة، فمن شغله بالعبادة فقد تحمل المشقة العظيمة.

والمعنى: إن قيام الليل للعبادة، وقضاء ساعاته في الطاعة، أشدّ ثقلاً على النفس، وأرجى عند الله وأقوم.

{ وَأَقْوَمُ قِيلاً }: أي أشدّ استقامة واستمراراً، وأكثر استقامة على نهج الحق والصواب، لأن الليل تهدأ فيه الأصوات، وتنقطع فيه الحركات فتخلص فيه القراءة، ويفرغ القلب لفهم التلاوة، فلا يكون دون تسمعه وتفهمه حائل.

{ سَبْحَاً }: قال المبرّد: سبحاً أي تقلباً وتصرفاً في المهمّات كما يتردّد السابح في الماء قال الشاعر:
أباحوا لكم شرقَ البلاد وغربَها   ففيها لكم يا صَاحِ سبْحٌ من السّبْح
قال في " اللسان ": السّبْح: الفراغ وفي التنزيل { سَبْحَاً طَوِيلاً } إنما يعني به فراغاً طويلاً وتصرفاً، وقيل: معناه: لك في النهار ما تقضي حوائجك.

وقال الزجاج: إن فاتك من الليل شيء من النوم والراحة، فلك في النهار فراغ فاصرفه إليه.

وقال ابن عباس: لك في النهار فراغ لنومك وراحتك، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك.

{ وَتَبَتَّلْ }: التبتّل الانقطاع إلى العبادة، ومنه قيل لمريم عليها السلام (البتول) لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة، وأصل البتل: القطع، ويقال للراهب (متبتّل) لانقطاعه عن الناس، وانفراده بالعبادة قال أمرؤ القيس:
تضيءُ الظّلامَ بالعشَاء كأنها   مَنَارة مُمْسى راهبٍ متبتّل
{ هَجْراً جَمِيلاً }: أي لا تتعرض لهم، وجانبهم ولا تقابلهم بمثل إساءتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5