الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

[2] نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم

التحليل اللفظي

{ تَفَسَّحُواْ }: توسّعوا في المجلس وليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم: إفسح عني أي تنحّ، يقال: بلدة فسيحة، ومفازة فسيحة، ولك فيه فسحة أي سعة.

قال القرطبي: وفَسَح يَفْسَح مثل مَنَع يَمْنَع، أي وسّع في المجلس، وفَسُح يَفْسُح مثل كَرُم يكْرُم، أي صار واسعاً، ومنه مكان فسيح.

{ ٱنشُزُواْ }: انهضوا وارتفعوا، وأصله من النشز وهو المرتفع من الأرض، قال في " اللسان ": النّشْز: المرتفع من الأرض، ونشز الشيء: ارتفع، وتلّ ناشز: مرتفع، وفي التنزيل: { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } قرأها الناس بكسر الشين، وأهلُ الحجاز يرفعونها، وهي لغتان ومعناه: إذا قيل انهضوا فانهضوا وقوموا.

{ دَرَجَٰتٍ }: أي منازل رفيعة، جمع درجة وهي الرفعة في المنزلة، مأخوذ من الدّرج الذي يُرقى به إلى السطح.

قال في اللسان: والدّرجة: الرفعة في المنزلة، والدّرجة واحدة الدرجات، وهي الطبقات من المراتب، ودرجات الجنة: منازل أرفع من منازل.

{ نَجْوَاكُمْ }: النجوى مصدر بمعنى التناجي وهو المسارّة مأخوذة من (النّجوة) وهي ما ارتفع من الأرض، فالمتناجيان يخلوان بسرّهما كخلوّ المرتفع من الأرض عما يتصل به.

وقيل: النجوى من المناجاة وهي الخلاص، وكأنّ المتناجيَيْن يتعاونان على أن يخلّص أحدهما الآخر.

ومعنى الآية: إذا أردتم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمرٍ من الأمور فتصدقوا قبلها.

{ وَأَطْهَرُ }: أي أزكى لأنفسكم وأطيب عند الله.

{ ءَأَشْفَقْتُمْ }: الإشفاق: الخوف من المكروه، والمعنى: أخفتم وبخلتم بالصدقة، وشقّ ذلك عليكم؟.

قال ابن عباس: " أأشفقْتُم " أي أبخلتم بالصدقة. وهو استفهام معناه التقرير.

المعنى الإجمالي

يقول الله جلّ ثناؤه ما معناه: يا أيها المؤمنون إذا قيل لكم توسعوا في المجلس لإخوانكم القادمين فتوسّعوا لهم، وافسحوا لهم، حتى يأخذ القادم مكانه في المجلس، فإن ذلك سبب المودة والمحبة بينكم، ومدعاة للألفة وصفاء النفوس، وإذا فسحتم لهم فإنّ الله تعالى يفسح لكم في رحمته، وينوّر قلوبكم، ويوسّع عليكم في الدنيا والآخرة.

وإذا قيل لكم - أيها المؤمنون - انهضوا إلى الصلاة، والجهاد، وعمل الخير فانهضوا، أو قيل لكم قوموا من مقاعدكم للتوسعة على غيركم فأطيعوا فإنّ الله تعالى يحبّ من عباده الطاعة، ويرفع درجات المؤمنين، والعلماء العاملين، الذين يبتغون بعلمهم وجه الله، فالعلماء ورثة الأنبياء، ومن يرد الله به خيراً يفقِّهه في الدين، وليست الرفعة عند الله تعالى بالسبق إلى صدور المجالس، وإنما هي بالعلم والإيمان.

ثم أمر تعالى عباده المؤمنين إذا أرادوا مناجاته عليه الصلاة والسلام لأمرٍ من الأمور، أن يتصدقوا قبل هذه المناجاة، تعظيماً لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم ونفعاً للفقراء، وتمييزاً بين المؤمن المخلص، والمنافق المراوغ، فإنّ ذلك أزكى للنفوس، وأطهر للقلوب، وأكرم عند الله تعالى، فإذا لم يتيسر للمؤمن الصدقة فلا بأس عليه ولا حرج.

السابقالتالي
2 3 4 5 6