الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

[4] كفارة اليمين وتحريم الخمر والميسر

التحليل اللفظي

{ عَقَّدتُّمُ }: عقّدتم من العقد وهو على ضربين: حسّي كعقد الحبل، ومعنوي كعقد البيع، فاليمين المنعقدة هي اليمين التي انعقد عليها العزم بالفعل أو الترك.

ومعنى عقدّتم الأيمان أي وكّدتموها ووثقّتموها بذكر اسم الله تعالى.

{ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }: التحرير الإخراج من الرق، ويستعمل في الأسر، والمشقات، وتعب الدنيا ونحوها ومنه قول مريمنَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } [آل عمران: 35] وقال الفرزدق:
أبني غُدانة إنني حرّرتكم   فوهبتكم لعطيّة بن جِعَال
أي حررتكم من الهجاء، وخصّ الرقبة من الإنسان لأنها موضع الملك فأضيف التحرير إليها.

{ رِجْسٌ }: أي قذر تعافه العقول قال الزجاج: الرجس اسم لكل ما استقذر من عمل، يقال رَجُسَ الرجل يرجُس إذا عمل عملاً قبيحاً. ويقال للنتن والعذِرة والأقذار رجسٌ لأنها قذارة ونجس.

{ فَٱجْتَنِبُوهُ }: يعني أبعدوه واجعلوه في ناحية، فالاجتناب في اللغة: الابتعاد وقد أمر تعالى باجتناب هذه الأمور المحرمة، واقترنت بصيغة الأمر فكان ذلك على جهة التحريم القطعي.

{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }: أي راجين الفوز والفلاح بهذا الاجتناب.

المعنى الإجمالي

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: لا يؤاخذكم الله - أيها المؤمنون - بما جرى على ألسنتكم من لغو اليمين، الذي لم تتقصدوا فيه الكذب، أو لم تتعمد قلوبكم العزم على الحلف به، ولكن يؤاخذكم بما وثّقتموه من الأيمان فكفارة هذا النوع من الأيمان أن تطعموا عشرة مساكين من الطعام الوسط الذي تُطعمون منه أهليكم، أو تكسوهم بكسوة وسط، أو تعتقوا عبداً مملوكاً أو أمة لوجه الله، فإذا لم يقدر الشخص على الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فليصم ثلاثة أيام متتابعة، ذلك كفارة أيمانكم أيها المؤمنون فاحفظوا أيمانكم عن الابتذال وأقلوا من الحلف لغير ضرورة.

ثم أخبر تعالى في الآية الثانية بأن الخمر، والقمار، والذبح للأصنام، والاستقسام بالأزلام (الأقداح) كل ذلك رجسٌ مستقذر لا يليق بالمؤمن فعله وهو من تزيين الشيطان للإنسان، فيجب اجتنابه والبعد عنه، لأن غرض الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، ويمنعهم عن ذكر الله وأداء الصلاة، بسبب هذه المنكرات والفواحش التي يزينها للناس، فانتهوا أيها المؤمنون عن ذلك. ثم ختم تعالى الآيات بالأمر بطاعته وطاعة رسوله، والحذر من مخالفة أوامر الله تعالى، فإذا لم ينته الإنسان عن مقارفة المعاصي فقد استحق الوعيد والعذاب الشديد يوم القيامة.

لطائف التفسير

اللطيفة الأولى: التعبير بقوله تعالى: { فَٱجْتَنِبُو } أبلغ في النهي والتحريم من لفظ (حُرّم) لأن معناه البعد عنه بالكلية فهو مثل قوله تعالى:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } [الإسراء: 32] لأن القرب منه إذا كان حراماً فيكون الفعل محرماً من باب أولى فقوله { فَٱجْتَنِبُو } معناه كونوا في جانبٍ آخر منه، وكلّما كانت الحرمة شديدة جاء التعبير بلفظ الاجتناب كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5