[1] التثبت من الأخبار التحليل اللفظي { فَاسِقٌ }: الفاسق: الخارج من حدود الشرع، والفسقُ في أصل الاشتقاق موضوع لما يدل على معنى (الخروج) مأخوذ من قولهم: فسقت الرُطبةُ إذا خرجت من قشرها، وسمّي الفاسق فاسقاً لانسلاخه عن الخير. وفي اللسان: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل، والخروج عن طريق الحق، ومنه قوله تعالى:{ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] أي خرج من طاعة ربه، والفواسق من النساء: الفواجر قال الشاعر:
فواسقاً من أمره جوائراً
قال الراغب: والفسق أعم من الكفر، لأنه يقع بالقليل والكثير من الذنوب، ولكن تعورف فيما كان بالكثير، وأكثر ما يقال لمن كان مؤمناً ثم أخلّ بجميع الأحكام أو ببعضها. { بِنَبَإٍ }: النبأ في اللغة: الخبر، والجمع أنباء كذا في " القاموس " و " اللسان " ، ويرى بعض اللغويين أنه لا يقال للخبر: نبأ حتى يكون هامّاً، ذا فائدة عظيمة، فكل خبر هام يسمّى (نبأ) قال تعالى:{ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [النمل: 22] وقال عز وجلّ{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [صۤ: 67-68] وأمّا إذا لم يكن هاماً فلا يقال له نبأ. قال الراغب: لا يقال للخبر في الأصل (نبأ) حتى يكون ذا فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن. { فَتَبَيَّنُوۤاْ }: التبيّن: طلب البيان والتعرّف، وقريب منه التثبت، والمراد به هنا التحقق والتثبت من الخبر حتى يكون الإنسان على بصيرة من أمره. ومعنى الآية الكريمة: إن جاءكم فاسق بنبأ عظيم له نتائج خطيرة، فلا تقبلوا قوله حتى تتثبّتوا وتتحققوا من صدقه، لتأمنوا العاقبة. { بِجَهَٰلَةٍ }: أي جاهلين حالهم، أو تصيبوهم بسبب جهالتكم أمرهم. { نَٰدِمِينَ }: الندم: الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه، يقال: ندم على الشيء، وندم على ما فعل ندماً وندامة، وتندّم أسِف، كذا في " اللسان ". والمراد بالندم: الهمّ الدائم، والنون والدال والميم في تقاليبها لا تنفك عن معنى الدوام كما في قولهم: أدمن في الشرب، ومَدَنَ أي أقام ومنه المدينة. { لَعَنِتُّمْ }: أي لوقعتم في العَنَت، قال ابن الأثير: العنت: المشقة، والفساد، والهلاك. وقال في " اللسان ": العنت: الهلاك، وأعنَتَه: أوقعه في الهلكة، وقوله تعالى: { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أي لوقعتم في الفساد والهلاك. يقال: فلان يتعنّت فلاناً أي يطلب ما يؤديه إلى الهلاك، ويقال أعنَتَ العظمُ إذا كسر بعد الجبر. { ٱلرَّٰشِدُونَ }: جمع راشد، وهو المهتدي إلى محاسن الأمور ومنه سمي الخلفاء الراشدون، والرَشَد الاستقامة على طريق الحق مع تصلّب فيه، من الرشّاد وهو الصخر. { بَغَتْ }: البغي: التطاول والفساد قال تعالى:{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } [القصص: 76]. وأصل البغي: مجاوزة الحد في الظلم والطغيان، والفئة الباغية: هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل وفي الحديث (ويح عمار تقتله الفئة الباغية).