الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

[1] الحرب في الإسلام

التحليل اللفظي

{ أَثْخَنتُمُوهُمْ }: أكثرتم فيهم القتل والجراح، يقال: أثخن العدو: إذا أكثر فيه الجراح، قال في " اللسان ": والإثخان في كل شيء قوّته وشدّته، يقال: قد أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه ووهَنه، وأثخنته الجراحة: أوهنته، وقوله تعالى:حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنفال: 67] معناه حتى يبالغ في قتل أعدائه.

{ ٱلْوَثَاقَ }: الوَثاق: في الأصل مصدر كالخلاص، وأريد به هنا ما يوثق به أي ما يربط به كالحبل وغيره.

قال في اللسان: والوَثاق اسم الإيثاق، تقول: أوثقته إيثاقاً ووَثاقاً، والحبل أو الشيء الذي يوثق به (وِثاق) والجمع الوُثُق بمنزلة الرّباط والرّبُط.

وقال الجوهري: وأوثقه في الوَثَاق: أي شدّه، ومنه قوله تعالى { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } والوِثاق بكسر الواو لغة فيه. ا هـ.

والمراد في الآية الكريمة: أسر الأعداء لئلا يفلتوا.

{ مَنًّا }: مصدر منّ ومعناه: أن يطلق سَراح الأسير بدون فداء، وبدون مقابل. قال الشاعر:
ما كان ضرّك لو مَنَنْتَ وربما   منّ الفتى وهو المَغيط المُحْنَقُ
{ فِدَآءً }: مصدر فادى: والفداء أن يطلق الأسير مقابل مالٍ يأخذه منه.

قال في اللسان: الفِداء بالكسر: فكاك الأسير، والعرب تقول: فاديت الأسير وتقول: فديته بمالي، وفديته بأبي وأمي، إذا لم يكن أسيراً، وإذا كان أسيراً مملوكاً قلتَ: فاديته، قال الشاعر:
ولكنّني فاديتُ أمّي بعدما   علا الرأسَ منها كَبْرةٌ ومشيبُ
{ أَوْزَارَهَا }: الأوزار جمع وِزْر، وهو في الأصل: الإثم والذنب، ويطلق على الحمل الثقيل، والمراد به آلات الحرب وأثقالها من السلاح، والخيل، والعتاد، وسمي السلاح " أوزاراً " لأنه يُحمل لثقله، قال الأعشى:
وأعددتُ للحرب أوزارها   رماحاً طوالاً، وخيلاً ذكوراً
وإنما جاء الضمير مؤنثاً (أوزارها) لأن الحرب مؤنثة.

ومعنى الآية: حتى تنتهي الحرب، وتضع سلاحها، فلا يكون قتال مع المشركين لضعف شوكتهم.

{ ذَٰلِكَ }: اسم الإشارة " ذلك " جيء به للفصل بين كلامين، وقد كثر في لغة العرب استعمال اسم الإشارة عند الفصل بين كلامين والانتقال من الكلام الأول للثاني، كأنه قيل: ذلك ما كنا نريد أن نقوله في هذا الشأن، ونقول بعده كذا.. وكذا.

{ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ }: أي انتصر منهم بدون أن يكلِّفكم بحرب أو قتال، فالله سبحانه قادر على إهلاك الكفار بدون حرب المسلمين لهم، ولكنه ابتلاء من الله سبحانه:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [محمد: 31].

قال الألوسي: قوله تعالى: { وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } أي لانتقم منهم ببعض أسباب الهلاك من خسفٍ، أو رجفةٍ، أو غرقٍ، أو موتٍ جارف.

{ لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ }: أي أمركم سبحانه بالحرب { لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } فيثيب المؤمن ويُكرمه بالشهادة، ويُخزي الكافر بالقتل والعذاب، والابتلاء في اللغة: الامتحان والاختبار.

{ يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ }: أي فلن يضيع أعمالهم بل ستحفظ وتخلّد لهم، ويُجزون عليها الجزاء الأوفى يوم الدين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10