الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

[7] حجاب المرأة المسلمة

التحليل اللفظي

{ لأَزْوَٰجِكَ }: المراد بكلمة الأزواج (أمهات المؤمنين) الطاهرات رضوان الله عليهن، ولفظ الزوج في اللغة يطلق على الذكر والأنثى، قال تعالى:ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 35]،وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف: 189].

وإطلاق لفظ (الزوجة) صحيح ولكنه خلاف الأفصح. وأنكر الأصمعي لفظ (زوجة) بالهاء، وقال: هي زوج لا غير، واحتجّ بأنه لم يرد في القرآن إلا بدون هاءأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [الأحزاب: 37] والصحيح أنه خلاف الأفصح وليس بخطأ قال الفرزدق:
وإن الذي يسعى يحرّش زوجتي   كساعٍ إلى أُسْد الشّرى يستبيلها
وفي حديث عمّار بن ياسر قوله عن السيدة عائشة (والله إني لأعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه أو تطيعونها).

{ يُدْنِينَ }: أي يسدلن ويرخين. وأصل الإدناء التقريب، يقال للمرأة إذا زلّ الثوب عن وجهها: أدني ثوبك على وجهك، والمراد في الآية الكريمة: يغطين وجوههن وأبدانهن ليميزن عن الإماء والقينات، ولما كان متضمناً معنى الإرخاء والسّدل عدّي بعلى { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ }.

{ جَلَٰبِيبِهِنَّ }: جمع جلباب، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، قال الشهاب: هو إزار يلتحف به، وقيل: هو المِلحفة وكل ما يغطي سائر البدن.

قال في " لسان العرب ": الجلباب ثوب أوسع من الخمار، دون الرداء، تغطي به المرأة رأسها وصدرها، وقيل: هو الملحفة، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلاً لها:
تمشي النُّسوْر إليهِ وهي لاهيةٌ   مشيَ العذَارَى عليهنّ الجلابيبُ
وقيل جلباب المرأة: ملاءتها التي تشتمل بها، واحدها جلباب، والجماعة جلابيب، وأنشدوا:
مُجلْببٌ من سوادِ الليل جلباباً   
وفي " الجلالين ": الجلابيب جمع جلباب، وهي المِلاءة التي تشتمل بها المرأة.

قال ابن عباس: أُمر نساءُ المؤمنين أن يغطّين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب، إلا عيناً واحدة ليُعْلم أنهنّ حرائر.

والخلاصة: فإن الجلباب هو الذي يستر جميع بدن المرأة، وهو يشبه الملاءة (الملحفة) المعروفة في زماننا، نسأله تعالى الستر والسلامة.

{ أَدْنَىٰ }: أفعل تفضيل بمعنى أقرب، من الدّنوّ بمعنى القرب، يقال: أدناني منه أي قرّبني منه، وقوله تعالى:قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [الحاقة: 23] أي قريبة المنال، وتأتي كلمة (أدنى) بمعنى أقل، وقد جُمع المعنيان في قول الشاعر:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم   أدنى إلى شرفٍ من الإنسان
{ غَفُوراً }: أي ساتراً للذنوب، ماحياً للآثام، يغفر لمن تاب وأناب ما فرط منهوَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [طه: 82].

{ رَّحِيماً }: يرحم عباده، ويلطف بهم، ومن رحمته تعالى أنه لم يكلفهم ما لا يطيقون.

المعنى الإجمالي

يأمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، أن يوجه النداء إلى الأمة الإسلامية جمعاء، بأن تعمل على التمسك بآداب الإسلام، وإرشاداته الفاضلة، ونظمه الحكيمة، التي بها صلاح الفرد وسعادة المجتمع، وخاصة في أمر اجتماعي هام، يتعلق بالأسرة المسلمة، ألا وهو (الحجاب الشرعي) الذي فرضه الله على المرأة المسلمة، ليصون لها كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنفوس المريضة، والنوايا الخبيثة، التي يُكِنّها الفسّاق من الرجال للنساء غير المحتشمات، فيقول الله تعالى ما معناه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9