الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

[2] قذفُ المحصنات من الكبائر

التحليل اللفظي

{ يَرْمُونَ }: أي يقذفون بالزنى، وأصل الرمي القذف بالحجارة أو بشيء صلب، ثم استعير للقذف باللسان، لأنه يشبه الأذى الحسي كما قال النابغة: (وجرحُ اللسان كجرح اليد) وقال الشاعر:
رماني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي   بريئاً ومن أجل الطَوّي رماني
أي اتهمني بشيء أنا منه برئ.

{ ٱلْمُحْصَنَاتِ }: العفيفات جمع محصنة بمعنى العفيفة قال تعالى:وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [الأنبياء: 91] أي عفّت، وأصل الإحصان المنع ومنه يسمى (الحصن) قال في " لسان العرب ": يقال امرأة حَصَان وحَاصِن وكلّ امرأة عفيفة مُحصَنَة ومُحْصنة (بالفتح والكسر) وكل امرأة متزوجة مَحصَنة (بالفتح) لا غير، وفي شعر حسان يثني على عائشة رضي الله عنها:
حَصَان رزان ما تُزَنّ بريبة   وتصبح غَرْثى من لحوم الغوافل
والمرأة تكون محصنة بالإسلام، والعفاف، والحرية، والتزوج كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

{ شُهَدَآءَ }: جمع شاهد، أي يشهدون عليهن بوقوع الزنى، والمراد بالشهداء الرجال لأن الآية ذكرت العدد مؤنثاً (بأربعة) ومن المعلوم أن العدد يؤنث إذا كان المعدود مذكراً، ويُذكَّر إذا كان المعدود مؤنثاً فتقول (أربع نسوة، وأربعة رجال) فلا تقبل شهادة النساء في حد القذف كما لا تقبل في حد الزنى ستراً على العباد.

{ فَٱجْلِدُوهُمْ }: قال القرطبي: الجلد الضرب، والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود، ثم استعير الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره، ومنه قول (قيس بن الخطيم):
أجالدهم يومَ الحديقة حاسراً   كأنَّ يدي بالسيف محْرَاق لاعب
وقد تقدم معنى الجلد في آيات الزنى مفصلاً فارجع إليه.

{ ٱلْفَاسِقُونَ } جمع فاسق وهو العاصي، والفسقُ الخروجُ عن الطاعة، ومجاوزة الحد في ارتكاب المعاصي قال تعالى:فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] وكل خارج عن طاعة الله يسمى فاسقاً، وكل منكر أو مكذب لآيات الله يسمى كافراً.

المعنى الإجمالي

يخبر الله جل ثناؤه بأن الذين ينتهكون حرمات المؤمنين، فيرمون العفائف الشريفات الطاهرات بالفاحشة، ويتهمونهن بأقدس وأثمن شيء لدى الإنسان ألا وهو (العرض والشرف) فينسُبونهن إلى الزنى، ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهداء عدول، يشهدون عليهن بما نسبوا إليهن من الفاحشة فاجلدوا الذين رموهن بذلك (ثمانين) جلدة، لأنهم فسقة كذبة يتهمون الأبرياء ويحبون إشاعة الفاحشة، وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإنسانية، فلا تقبلوا شهادة أي واحد منهم ما دام مصراً على بهتانه وأولئك عند الله من أسوأ الناس منزلة وأشدهم عذاباً، لأنهم فساق خارجون عن طاعة الله عزّ وجلّ، لا يحفظون كرامة مؤمن، ويقعون في أعراض الناس شأن أهل الضلال والنفاق، الذين يسعون لتهديم المجتمع الإسلامي وتقويض بنيانه، وأما إذا تابوا وأنابوا وغيّروا سيرتهم وأصلحوا أحوالهم، ورجعوا عن سلوك طريق الغي والضلال فاعفوا عنهم واصفحوا، واقبلوا اعتذارهم، وردوا إليهم اعتبارهم، فإن الله غفور رحيم يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح حاله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد