الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

[18] عدة الوفاة

التحليل اللفظي

{ يُتَوَفَّوْنَ }: أي يموتون ويُقبضون قال تعالى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42] وأصل التوفي: أخذ الشيء وافياً كاملاً، فمن مات فقد استوفى عمره ورزقه.

قال أبو السعود: " أي تقبض أرواحهم بالموت، فإن التوفي هو القبض يقال: توفيت مالي أي قبضته ".

وقال الإمام الفخر: " يقال: توفىّ فلان، وتُفي إذا مات، فمن قال: تُوفّى كان معناه قُبض وأخذ، ومن قال: تَوفّى كان معناه توفى أجله واستوفى عمره ".

{ وَيَذَرُونَ }: أي يتركون، وهذا الفعل لا يستعمل منه الماضي ولا المصدر، ومثله (يدع) ليس له ماضٍ ولا مصدر، يقال: فلان يَدع كذا ويَذر، ويأتي منهما الأمر يقال: دعْهُ وذرْه قال تعالى:ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } [المدثر: 11].

{ أَزْوَاجاً }: الأزواج هٰهنا: النساء، والعرب تسمي الرجل زوجاً وامرأته زوجاً له، وربما ألحقوا بها الهاء فقالوا: زوجة وهو خلاف الأفصح.

{ يَتَرَبَّصْنَ }: التربص الانتظار ومنه قوله تعالى:فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } [التوبة: 24] وقد تقدم.

{ بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ }: الأجل: المدة المضروبة للشيء، ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان: أجل قال تعالى:فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ... } [الأعراف: 34] والمراد هنا: انقضاء العدة.

{ خَبِيرٌ }: الخبير العالم بالأمور خفيّها وجليّها الذي لا تخفى عليه خافية.

المعنى الإجمالي

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: الذين يموتون من رجالكم، ويتركون أزواجهم بعد الموت، على هؤلاء الزوجات أن ينتظرن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة أيام، يمكثن في العدة حداداً على أزواجهن، فلا يتعرضن للخُطَّاب، ولا يتزينن ولا يتطيّبن، ولا يخرجن من بيوت أزواجهن ما دُمْن في العدة فإذا انقضت عدتهن فلا جناح ولا إثم عليكم أيها الأولياء في تركهنّ أن يتزوجن، ويفعلن ما أباحه لهن الشرع من الزينة والتطيب، والله عليم بأعمالكم. خبير بأفعالكم، لا تخفى عليه خافية فاتقوه وأطيعوه في ما أمركم به، ومنه الحداد على الأزواج.

وجوه الإعراب

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } في إعرابه وجهان:

أحدهما أن { ٱلَّذِينَ } مبتدأ، و { يُتَوَفَّوْنَ } مضارع مبني للمجهول، والخبر محذوف تقديره: فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون.

والثاني: أن المبتدأ محذوف و(الذين) قام مقامه تقديره: وأزواج الذين يتوفون منكم، ودل على المحذوف قوله: { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } والخبر { يَتَرَبَّصْنَ }.

قال الطبري: " فإن قال قائل: فأين الخبر عن الذين يتوفون؟ قيل: متروك لأنه لم يقصد الخبر عنهم، وإنما قصد الخبر عن الواجب على المعتدات في وفاة أزواجهن، فصرف الخبر عنهم إلى الخبر عن أزواجهم، وهو نظير قول الشاعر:
لعلّي إنْ مالتْ بي الريحُ ميلة   على ابن أبي زبّان أن يتندما
لطائف التفسير

اللطيفة الأولى: الفصيح المستعمل في التعبير عن الموت أن يقال: تُوفي فلان، بالبناء للمفعول، والتعبير باسم الفاعل يعده البعض لحناً، لأنه مقبوضٌ لا قابض، وقد روي عن أبي الأسود الدؤلي أنه كان خلف جنازة، فقال له رجل: من المُتَوفّي؟ فقال: " اللهُ تعالى " وكان هذا من أسباب وضع أحكام النحو.

السابقالتالي
2 3 4 5