الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

[15] النهي عن كثرة الحلف

التحليل اللفظي

{ عُرْضَةً }: بضم العين أي مانعاً، وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو (عُرْضة) ولهذا يقال للسحاب: عارضٌ، لأنه يمنع رؤية السماء والشمس، واعترض فلانٌ فلاناً أي منعه من فعل ما يريد.

والمعنى: لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى، إذا دعي أحدكم لبرٍ أو إصلاح يقول: قد حلفت أن لا أفعله فيتعلّل باليمين.

قال الرازي: المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عُرْضة له، يقول الرجل: قد جعلتني عُرْضة للومك، وقال الشاعر:
فلا تجعلني عُرْضة للَّوائم   
قال الجصاص: المعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقاً كان أو باطلاً، فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى، وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح.

{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ }: قال الراغب: اللغو في الكلام ما لا يُعتد به، وهو الذي يُورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى (الّلغا) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور، وأنشد أبو عبيدة:
عن الّلغا ورفث التكلم   
قال الإمام الفخر: " اللغو: الساقط الذي لا يعتد به، سواء كان كلاماً أو غيره، ولغو الطائر: تصويته، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل: لغو ".

{ يُؤْلُونَ }: أي يحلفون، والمصدر (إيلاء) والاسم منه (أليّة) والأليّة، والقسم واليمين، والحلف، كلها عبارات عن معنى واحد، قال الشاعر:
فآليتُ لا أنفكّ أحْدو قصيدةً   تكون وإيّاها بها مثلاً بعدي
هذا هو المعنى اللغوي، وأما في عرف الشرع فهو اليمين على ترك وطء الزوجة.

{ تَرَبُّصُ }: التربص في اللغة الانتظار ومنه قوله تعالى:قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [الطور: 31] أي انتظروا فأنا من المنتظرين معكم قال الشاعر:
تربّصْ بها ريب المنون لعلّها   تُطلّقُ يوماً أو يموت حليلها
وإضافة التربص إلى الأشهر من إضافة المصدر إلى الظرف.

{ فَآءُو }: أي رجعوا ومنه قوله تعالى:حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ } [الحجرات: 9] أي ترجع، ومنه قيل للظل بعد الزوال (فيء) لأنه رجع بعد أن تقلص.

قال الفراء: العرب تقول: فلان سريع الفيء والفيئة أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة. قال الشاعر:
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له   ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً
ومعنى الآية: فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم.

المعنى الإجمالي

لا تجعلوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير، فإذا سئل أحدكم عن أمرٍ فيه برٌّ، وخير، وإصلاح، قال: قد حلفت بالله ألاّ أفعله، وأريد أن أبرّ بيميني، فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا الخير وكفّروا عن أيمانكم، ولا تكثروا الحلف فتجعلوا الله هدفاً لأيمانكم تبتذلون اسمه المعظم في أمور دنياكم، فإن الحلاّف مجترئ على ربه فلا يكون براً ولا تقياً.

السابقالتالي
2 3 4 5