الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

[11] القتال في الأشهر الحرام

التحليل اللفظي

{ كُرْهٌ }: بضم الكاف أي مكروه لكم تكرهه نفوسكم لما فيه من المشقة، وُضع المصدر موضع الوصف مبالغةً، كقوله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة: 28] وكقول الخنساء:
فإنما هي إقبال وإدبار   
قال ابن قتيبة: الكَره بالفتح معناه الإكراه والقهر، وبالضم معناه المشقة.

{ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ }: الشهر الذي يحرم فيه القتال، والمراد به هنا شهر رجب، وكان يدعى (الأصم) لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً له.

{ وَصَدٌّ }: الصدّ: الصرف والمنع يقال: صدّه عن الشيء أي منعه عنه.

{ وَٱلْفِتْنَةُ }: أي فتنة المسلمين في دينهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم أو بتعذيبهم.

{ يَرْتَدِدْ }: أي يرجع، والردّة: الرجوع من الإيمان إلى الكفر، ويُسمى فاعل ذلك مرتداً.

قال الراغب: الارتداد والردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه، لكن الردة تختص بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره قال تعالى:مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِه } [المائدة: 54] وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر، وقال تعالى:فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } [الكهف: 64].

{ حَبِطَ }: أي فسد وبطل عمله، قال في " اللسان ": حبَط حبْطاً وحبوطاً: عمل عملاً ثم أفسده، وفي التنزيلفَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 28] أي أبطل ثوابهم.

قال أهل اللغة: أصل الحَبْط مأخوذ من (الحَبَط) وهو أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها، ولا يخرج عنها ما فيها وفي الحديث " وإنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطاً أو يُلمّ " فسمي بطلان العمل بهذا لما فيه من الفساد.

{ هَاجَرُواْ }: الهجرة مفارقة الأهل والوطن في سبيل الله، لنصرة دينه.

قال الراغب: الهجرة الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان وأصلها من الهَجْر الذي هو ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح (هُجْر) لأنه مما ينبغي أن يُهجر، والهاجرة: وقت الظهيرة لأنه وقت يهجر فيه العمل.

{ وَجَاهَدُواْ }: الجهاد بذل الوسع والمجهود وأصله من الجهد الذي هو المشقة، وسمي قتال الأعداء (جهاداً) لأن فيه بذل الروح والمال لإعلاء كلمة الله، ونصرة دينه.

{ يَرْجُونَ }: الرجاء هو الأمل والطمع في حصول ما فيه نفع.

قال الراغب: الرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة.

وفي " اللسان ": الرجاء من الأمل نقيض اليأس، وهو بمعنى التوقع والأمل، قال بشر يخاطب بنته:
فرجّي الخير وانتظري إيابي   إذا ما القارظ العنزيّ آبا
{ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }: أي واسع المغفرة للتائبين المستغفرين، عظيم الرحمة بعبادة المؤمنين.

المعنى الإجمالي

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: " فُرض عليكم - أيها المؤمنون - قتال الكفار، وهو شاق عليكم، تنفر منه الطباع لما فيه من بذل المال وخطر هلال النفس، ولكن قد تكره نفوسكم شيئاً وفيه كل النفع والخير، وقد تحب شيئاً وفيه كل الخطر والضرر، والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم، فلا تكرهوا ما فرض عليكم من جهاد عدوكم، فإن فيه الخير لكم في العاجل والآجل.

السابقالتالي
2 3 4