الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

[2] النسخ في القرآن

التحليل اللفظي

{ نَنسَخْ }: النسخُ يأتي بمعنى (الإزالة) تقول العرب: نسخت الشمسُ الظلّ أي أزالته، ومنه قوله تعالى:فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } [الحج: 52] أي يزيل ما يلقيه الشيطان.

ويأتي بمعنى (النقل) من موضع، ومنه قولهم: نسختُ الكتاب أي نقلت ما فيه من مكان إلى مكان أي نقلته إلى كتاب آخر، ومنه قوله تعالى:إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية: 29].

ويأتي بمعنى (التبديل) تقول: نسخَ القاضي الحكم أي بدّله وغيّره، ونسخ الشارع السورة أو الآية أي بدّلها بآية أخرى، وإليه يشير قوله تعالى:وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } [النحل: 101].

ويأتي بمعنى (التحويل) كتناسخ المواريث من واحد إلى واحد، هذا من حيث اللغة.

وأما في الشرع: فهو انتهاء الحكم المستنبط من الآية وتبديله بحكم آخر، وقد عرّفه الفقهاء والأصوليون بتعريفات كثيرة نختار منها أجمعها وأخصرها، وهو ما اختاره ابن الحاجب حيث قال رحمه الله:

" النسخ: هو رفع الحكم الشرعي، بدليل شرعيّ متأخر ".

{ نُنسِهَا }: نُنسها من النسيان الذي هو ضد الذكر أي نمحها من القلوب، فالنسيان بمعنى الذهاب من الذاكرة وهو مروي عن قتادة.

وقيل: من النسيان بمعنى الترك على حدّ قوله تعالى:نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67] أي تركوا أمره فتركهم في العذاب. ومنه قوله تعالى:قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [طه: 126] وهو مروي عن ابن عباس.

قال ابن عباس: أي نتركها فلا نبدّلها ولا ننسخها.

وحكى الأزهري: نُنْسها: أي نأمرُ بتركها، يقال: أنسيتُه الشيء أي أمرتُ بتركه، ونسيتُه تركته، قال الشاعر:
إنّ عليّ عُقْبَة أقضيها   لستُ بناسِيْها ولا مُنْسِيها
وأما قراءة (نَنْسَأها) بالهمز، فهو من النسأ بمعنى التأخير، ومنه قوله تعالى:إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } [التوبة: 37] ومنه سمي بيع الأجل نسيئة.

وقال أهل اللغة: أنسأ الله أجله، ونسأ في أجله، أي أخرّ وزاد.

قال الألوسي: " وقرئ (ننسأها) وأصلها من نسأ بمعنى أخّر، والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا ننزلها، أو نُبعدها عن الذهن بحيث لا يتذكر معناها ولا لفظها، وهو معنى (نُنْسها) فتتحّد القراءتان ".

{ بِخَيْرٍ مِّنْهَا }: أي بأفضل منها، ومعنى فضلها: سهولتها وخفتها.

والمعنى: نأت بشيء هو خير للعباد منها، أو أنفع لهم في العاجل والآجل.

قال القرطبي: لفظة " خير " هنا صفة تفضيل، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف، وفي آجل إن كانت أثقل، وبمثلها إن كانت مستوية.

{ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }: الوليّ معناه القريب والصديق، مأخوذ من قولهم: وليتُ أمر فلان أي قمتُ به، ومنه وليّ العهد: أي القيّم بما عهد إليه من أمر المسلمين.

والنصيرُ: المعين مأخوذ من قولهم: نصره إذا أعانه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد