الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

[1] موقف الشريعة من السحر

التحليل اللفظي

{ نَبَذَ }: النبذ: الطرح والإلقاء قال تعالى:فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } [القصص: 40] ومنه النبيذ للشيء المسكر، وسميَ نبيذاً، لأن الذي يتخذه يأخذ تمراً أو زبيباً فينبذه في وعاء أو سقاء، ويتركه حتى يصير مسكراً، والمنبوذُ: ولد الزنى، لأنهُ يُنْبذُ على الطريق، قال أبو الأسود:
وخبّرني من كنتُ أرسلتُ أنما   أخذتَ كتابي معرضاً بشمالكا
نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه   كنبذكَ نعلاً أخْلقتْ من نعالكا
وقال آخر:
أنّ الذين أمرتهم أن يعدلوا   نبذوا كتابك واستحلوا المحرما
{ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ }: هذا مثل يضرب لمن استخفّ بالشيء وأعرض عنه جملة، تقول العرب: جعل هذا الأمر وراء ظهره، ودبر أذنه، قال تعالى:وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [هود: 92] وأنشد الفرّاء:
تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي   بظهرٍ ولا يعيا عليك جوابها
{ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }: تشبيه لهم بمن يجهل، لأن الجاهل بالشيء لا يحفل به ولا يهتم، لأنه لا شعور له بما فيه من المنفعة.

والمعنى: نبذوا كتاب الله وتركوا العمل به، على سبيل العناد والمابرة، كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزّل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

{ وَٱتَّبَعُواْ } الضمير لفريق من الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود.

قال الزمخشري: أي نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلو الشياطين.

والمراد بالاتباع: التوغّلُ والإقبال على الشيء بالكليّة، وقيل: الاقتداء.

{ تَتْلُواْ }: بمعنى تلت مضارع بمعنى الماضي، فهو حكاية لحال ماضية، قال الشاعر:
وانضحْ جوانبَ قبره بدمائها   فلقد يكونُ أخا دمٍ وذبائحِ
أي فلقد كان.

وتتلو يعني: تُحدّث، وتروي، وتتكلم به من التلاوة بمعنى القراءة.

قال الطبري: ولقول القائل " هو يتلو كذا " في كلام العرب معنيان:

أحدهما: الاتباع كما تقول: " تلوت فلاناً " إذا مشيت خلفه وتبعت أثره.

والآخر: القراءة والدراسة كما تقول: فلان يتلو القرآن بمعنى أنه يقرؤه ويدرسه، كما قال (حسان بن ثابت):
نبيّ يرى ما لا يرى الناس حوله   ويتلو كتاب الله في كل مشهد
والمعنى: طرحوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتّبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها الشياطين وتحدّث وتروي بها في عهد سليمان.

{ ٱلشَّيَـٰطِينُ }: المتبادر من لفظ (الشياطين) أن المراد بهم مردة الجن، وبه قال بعض المفسرين وقال بعضهم: المراد بهم شياطين الإنس، والأرجح أن المراد بهم شياطين (الإنس والجن) كما قال تعالى:شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112].

{ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ }: أي على عهد مكله وفي زمانه، فهو على حذف مضاف.

قال المبرّد: " على " بمعنى " في " أي في عهد ملكه، كما أنّ " في " بمعنى " على " كما في قوله تعالى:وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71] أي على جذوع النخل. و(سليمان) اسم عبراني، وقد تكلمت به العرب في الجاهلية، واستعمله الحطيئة، اضطراراً فجعله بلفظ (سلاّم) حين قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد