الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

أخبر تعالى أن في الأعراب كفاراً ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، { وَأَجْدَرُ } أي أحرى { أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } ، كما قال الأعمش: جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم (نهاوند) فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبني، وإن يدك لتريبني، فقال زيد: ما يريبك من يدي إنها الشمال؟ فقال الأعرابي: والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال، فقال زيد صدق الله: { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ }. وفي الحديث: " من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري. ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولاً، وإنما كانت البعثة من أهل القرى, لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن، فهم ألطف أخلاقاً من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء، وفي " صحيح مسلم " " عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسوله الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم، قالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة "؟، وقال ابن نميرة: " من قلبك الرحمة " وقوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم، { حَكِيمٌ } فيما قسم بين عباده، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته، وأخبر تعالى أن منهم: { مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } أي في سبيل الله { مَغْرَماً } أي غرامة وخسارة، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي ينتظر بكم الحوادث والآفات، { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } أي هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع لدعاء عباده، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان، وقوله: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، { أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } أي ألا إن ذلك حاصل لهم، { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.