الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

قال السدي: الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى، وهو كما قال: فإن الأحبار هم علماء اليهود كما قال تعالى:لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [المائدة: 63] والرهبان: عباد النصارى، والقسيسون: علماؤهم، كما قال تعالى:ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } [المائدة: 82] والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال، قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا كان فيه شبه من النصارى، وفي الحديث الصحيح: " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة " قالو: اليهود والنصارى؟ قال: " فمن " ؟، وفي رواية فارس والروم؟ قال: " فمن الناس إلا هؤلاء " ؟. والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم، ولهذا قال تعالى: { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين، ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية خراج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات، فأطفاها الله بنور النبوة وسلبهم إياها، وعوضهم الذل والصغار، وباؤوا بغضب من الله تعالى. وقوله تعالى: { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي وهم مع أكلهم الحرام، يصدون الناس عن اتباع الحق، ويلبسون الحق بالباطل، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير وليسوا كما يزعمون، بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وقوله: { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية، هؤلاء هم القسم الثالث من رؤوس الناس، فإن الناس عالة على العلماء وعلى العبّاد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال ابن المبارك:
وهل أفسد الدين إلا الملوك   وأحبار سوء ورهبانها
وأما الكنز، فقال ابن عمر: هو المال الذي لا تؤدي زكاته، وعنه قال: ما أُودي زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهراً لا تؤدي زكاته فهو كنز، وقال عمر بن الخطاب: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض. وروى البخاري عن خالد بن أسلم قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال: هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت جعلها الله طهرة للأموال، وكذا قال عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك نسخها قوله تعالى:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة: 103] الآية.

قال الإمام أحمد عن ثوبان قال: لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك، فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره، فقال:

السابقالتالي
2