الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قال علي وابن عباس: { ٱلشَّفَقِ } الحمرة، وقال عبد الرزاق، عن أبي هريرة: { ٱلشَّفَقِ } البياض، فالشفق هو حمرة الأفق، إما قبل طلوع الشمس، كما قاله مجاهد، وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة، قال الخليل: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، فإذا ذهب قيل: غاب الشفق، وفي الحديث: " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " ، ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الآية: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } هو النهار كله، وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } أي جمع، كأنه أقسم بالضياء والظلام، قال ابن جرير: أقسم الله بالنهار مدبراً وبالليل مقبلاً، وقال آخرون: الشفق اسم للحمرة والبياض، وهو من الأضداد. قال ابن عباس ومجاهد: { وَمَا وَسَقَ } وما جمع، قال قتادة: وما جمع من نجم ودابة، وقال عكرمة: ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه، وقوله تعالى: { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } قال ابن عباس: إذا اجتمع واستوى، وقال الحسن: إذا اجتمع وامتلأ، وقال قتادة: إذا استدار، ومعنى كلامهم إنه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلاً لليل وما وسق.

وقوله تعالى: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال البخاري، قال ابن عباس: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } حالاً بعد حال، قال: هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقال الشعبي { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال: لتركبنّ يا محمد سماء بعد سماء، يعني ليلة الإسراء، وقيل: { طَبَقاً عَن طَبقٍ } منزلاً على منزل، ويقال: أمراً بعد أمر، وحالاً بعد حال، وقال السدي: { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } أعمال من قبلكم منزلاً بعد منزل، وكأنه أراد معنى الحديث الصحيح: " " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " ، قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: " فمن؟ " " وقال ابن مسعود: { طَبَقاً عَن طَبقٍ } السماء مرة كالدهان، ومرة تنشق، وقال سعيد بن جبير { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال: قوم كانوا في الدنيا خسيسٌ أمرهم فارتفعوا في الآخرة، وآخرون كانوا أشرافاً في الدنيا فاتضعوا في الآخرة، وقال عكرمة: { طَبَقاً عَن طَبقٍ } حالاً بعد حال فطيماً بعدما كان رضيعاً، وشيخاً بعد ما كان شاباً، وقال الحسن البصري: { طَبَقاً عَن طَبقٍ } يقول: حالاً بعد حال، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقراً بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقماً بعد صحة. ثم قال ابن جرير: والصواب من التأويل قول من قال: لتركبن أنت يا محمد حالاً بعد حال، وأمراً بعد أمر من الشدائد، والمراد بذلك ـ وإن كان الخطاب موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ جميع الناس، وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأحواله أهوالاً، وقوله تعالى: { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، وما لهم إذا قرئت عليهم آيات الله وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاماً وإكراماً واحتراماً؟ وقوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } قال مجاهد وقتادة: يكتمون في صدورهم، { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عزَّ وجلَّ قد أعد لهم عذاباً إليماً، وقوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا أي بقلوبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي بجوارحهم { لَهُمْ أَجْرٌ } أي في الدار الآخرة { غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال ابن عباس: غير منقوص، وقال مجاهد: غير محسوب، وحاصل قولهما: أنه غير مقطوع، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2