الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

يذكرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم، من إلقائه النعاس عليهم أماناً، أمّنهم به من خوفهم الذي حصل لهم، من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحد، كما قال تعالى:ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } [آل عمران: 154] الآية. قال أبو طلحة: كنت ممن أصابه النعاس يوم أُحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً؛ يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحَجَف، وقال الحافظ أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح، وقال عبد الله بن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان. وقال قتادة: النعاس في الرأس، والنوم في القلب. وكأن ذلك كان للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمته عليهم، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضي الله عنه وهما يدعوان أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم ثم استيقظ متبسماً فقال: " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع " ، ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى:سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45].

وقوله تعالى: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً } ، قال ابن عباس: إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير وليقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدر، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين محدثين، حتى تعاطوا ذلك في صدورهم، فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت به الأقدام، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث الله المطر عليها، والمعروف " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده، فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال: يا رسول الله هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال: " بل منزل نزلته للحرب والمكيدة " فقال: يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك "

السابقالتالي
2