الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

يخبر تعالى عن حالة الاحتضار، وما عنده من الأهوال، ثبتنا الله هنالك بالقول الثابت، فقال تعالى: { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } إن جعلنا (كلا) رادعة فمعناها: لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عياناً، وإن جعلناها بمعنى (حقاً) فظاهر أي حقاً إذا بلغت التراقي أي انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي جمع (ترقوة) وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله تعالى:فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } [الواقعة: 83-85]، { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ }؟ قال ابن عباس: أي من راق يرقي؟ وقال أبو قلابة؟ أي من طبيب شاف. وعن ابن عباس: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قيل: من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ فعلى هذا يكون من كلام الملائكة، وقال ابن عباس في قوله: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } قال: التفت عليه الدنيا والآخرة، وعنه { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } يقول: آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فتلقي الشدة بالشدة إلاّ من رحمه الله، وقال عكرمة: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } الأمر العظيم بالأمر العظيم، وقال مجاهد: بلاء ببلاء، وقال الحسن البصري: هما ساقاك إذا التفتا، وكذا قال السدي عن الحسن: هو لفهما في الكفن، وقال الضحّاك: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.

وقوله تعالى: { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أي المرجع والمآب، وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ردوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، منها أخرجهم تارة أُخرى، كما ورد في حديث البراء الطويل، وقوله جلَّ وعلا: { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا مكذباً للحق بقلبه، متولياً عن العمل بقالبه، فلا خير فيه باطناً ولا ظاهراً، ولهذا قال تعالى: { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ * وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي جذلان أشراً بطراً، لا همة له ولا عمل، كما قال تعالى:وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } [المطففين: 31]، وقال تعالى:إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } [الانشقاق: 13-14] أي يرجع، وقال ابن عباس: { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي يختال، وقال قتادة: يتبختر، قال الله تعالى: { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى للكافر، المتبختر في مشيه، أي يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، وذلك على سبيل التهكم والتهديد، كقوله تعالى:ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [الدخان: 49]، وكقوله تعالى:

السابقالتالي
2