الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } * { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } * { وَبَنِينَ شُهُوداً } * { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } * { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } * { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } * { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } * { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } * { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } * { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } * { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }

يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث، الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا، فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها، وقد عدّد الله عليه نعمه حيث قال تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } أي خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد، ثم رزقه الله تعالى: { مَالاً مَّمْدُوداً } أي واسعاً كثيراً، قيل: ألف دينار، وقيل: مائة ألف دينار، وقيل أرضاً يستغلها، وقيل غير ذلك، وجعل له { وَبَنِينَ شُهُوداً } قال مجاهد: لا يغيبون، أي حضوراً عنده لا يسافرون، وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم، وكانوا فيما ذكره السدي ثلاثة عشر، وقال ابن عباس ومجاهد: كانوا عشرة، وهذا أبلغ في النعمة، وهو إقامتهم عنده، { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } أي مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك، { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم. قال الله تعالى: { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً }. روى ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } قال: " هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده، فإذا وضع يده ذابت، وإذا رفعها عادت " ، وقال ابن عباس { صَعُوداً } صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه، وقال السدي: { صَعُوداً }: صخرة ملساء في جهنم يكلف أن يصعدها، وقال مجاهد: { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } أي مشقة من العذاب، وقال قتادة: عذاباً لا راحة فيه، واختاره ابن جرير، وقوله تعالى: { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } أي إنما أرهقناه صعوداً لبعده عن الإيمان لأنه فكّر { وَقَدَّرَ } أي تروّى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكّر ماذا يختلق من المقال { وَقَدَّرَ } أي تروّى { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } دعاء عليه { ثُمَّ نَظَرَ } أي أعاد النظرة والتروي { ثُمَّ عَبَسَ } أي قبض بين عينيه وقطّب { وَبَسَرَ } أي كلح وكره، ومنه قول توبة بن حمير:
وقد رابني منها صدود رأيته   وإعراضها عن حاجتي وبُسُورها
وقوله تعالى: { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } أي صرف عن الحق، ورجع القهقرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } أي هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم، ولهذا قال: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } أي ليس بكلام الله، وهذا المذكور في هذا السياق هو (الوليد بن المغيرة) المخزومي، أحد رؤساء قريش لعنه الله، قال ابن عباس: " دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر " ، فسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة فوالله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله، فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا، وقالوا: والله لئن صبا الوليد لتصبو قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه، فانطلق حتى دخل عليه بيته، فقال الوليد: ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألست أكثرهم مالاً وولداً؟ فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه، فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولا عمر ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } إلى قوله: { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل، فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى عليه وما أشك أنه سحر فأنزل الله: { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } الآية، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قبض ما بين عينيه وكلح، وروى ابن جرير عن عكرمة:

السابقالتالي
2 3