الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

يقول تعالى مخبراً عن الجن { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي غير ذلك، { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة، قال ابن عباس ومجاهد { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي منا المؤمن ومنا الكافر، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال، سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت   مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها   معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نعجزه ولو أمعنا في الهرب، فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا. { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ } يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع، وصفة حسنة، وقولهم: { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } قال ابن عباس وقتادة: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته، كما قال تعالى:فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } [طه: 112]، { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق الناكب عنه بخلاف المقسط، فإنه العادل، { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي طلبوا لأنفسهم النجاة، { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي وقوداً تسعر بهم، { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما): وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام، واستمروا عليها { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي كثيراً، والمراد بذلك سعة الرزق كقوله تعالى:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96]، وعلى هذا يكون معنى قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية. قال ابن عباس: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } يعني بالاستقامة الطاعة، وقال مجاهد: يعني الإسلام. وقال قتادة: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا. قال مقاتل: نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين، (والقول الثاني): { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } الضلال { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً، كما قال تعالى:فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44] وهذا قول أبي مجلز، وحكاه البغوي عن الربيع، وزيد بن أسلم، والكلبي، وله اتجاه ويتأيد بقوله { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } ، وقوله: { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي عذاباً مشقاً موجعاً مؤلماً، قال ابن عباس ومجاهد { عَذَاباً صَعَداً } أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم.