الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

يخبر تعالى أنه خالق العالم؛ سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان؟ أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع. وأما قوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح وهو إمرارها، كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، بل الأمر كما قال (نعيم بن حماد الخزاعي) شيخ البخاري قال: من شبَّه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائض؛ فقد سلك سبيل الهدى. وقوله تعالى: { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } أي يذهب ظلام هذا بضياء هذا، وضياء هذا بظلام هذا، وكل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً أي سريعاً لا يتأخر عنه، بل إذا ذهب هذا جاء هذا وعكسه، كقوله:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } [يس: 37]، إلى قوله:لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40]، فقولهوَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } أي لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو في أثره بلا واسطة بينهما، ولهذا قال: { يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال منبهاً: { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } أي له الملك والتصرف { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، كقوله:تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } [الفرقان: 61] الآية، وفي الحديث: " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، فقد كفر وحبط عمله، ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه " ، لقوله: { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء وروي مرفوعاً: " اللهم لك الملك كله، ولك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله ".