الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره كثيراً كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله:وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [ق: 39]، وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء وهذه الآية مكية، وقال هٰهنا بالغدو وهو أول النهار، والآصال جمع أصيل، وأما قوله: { تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } أي اذكر ربك في نفسك رغبة ورهبة وبالقول لا جهراً، ولهذا قال: { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } ، وهكذا يستحب أن يكون الذكر خفياً لا يكون نداء وجهراً بليغاً، ولهذا لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]، وفي " الصحيحين " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " ، وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى:وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [الإسراء: 110]، فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه وسبوا من جاء به، فأمره الله تعالى أن لا يجهر به لئلا ينال منه المشركون، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم، وليتخذ سبيلاً بين الجهر والإسرار، والمراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين، ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } الآية، وإنما ذكرهم بهذا ليقتدى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود هٰهنا لما ذكر سجودهم لله عزَّ وجلَّ كما جاء في الحديث: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمنون الصفوف، الأول فالأول، ويتراصون في الصف " وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع.