الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قال ابن عباس: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات، وقال الضحاك عن ابن عباس: أنفق الفضل، وقال عبد الرحمن بن أسلم: أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم، واختار هذا القول ابن جرير، وقال غير واحد عن مجاهد في قوله تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال: من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس، وفي " صحيح البخاري " عن عبد الله بن الزبير قال: إنما أنزل { خُذِ ٱلْعَفْوَ } من أخلاق الناس، وفي رواية عن أبي الزبير: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال: من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم وهذا أشهر الأقوال، ويشهد له ما روي عن أبيّ قال: " لما أنزل الله عزَّ وجلَّ على نبيه صلى الله عليه وسلم { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما هذا يا جبريل "؟ قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك " وقال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال، فقال: " يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك " ".

وقال البخاري قوله: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } العرف: المعروف. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم (عيينة بن حصن بن حذيفة) فنزل على ابن أخيه (الحر بن قيس) وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاوراته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب الله عزَّ وجلَّ. وقال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن نافع: أن (سالم بن عبد الله بن عمر) مرّ على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال: إن هذا منهي عنه، فقالوا: نحن أعلم بهذا منك، إنما يكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا فلا بأس به، فسكت سالم وقال: { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وقال ابن جرير: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسليمن حرب.

السابقالتالي
2