الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

هو رجل من بني إسرائيل، يقال له بلعم بن باعوراء؛ وقال قتادة عن ابن عباس: هو صيفي بن الراهب، وقال كعب: كان رجلاً من أهل البلقاء وكان يعلم الاسم الأكبر، وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين، وعن ابن عباس رضي الله عنه: هو رجل من أهل اليمن، يقال له بلعم آتاه الله آياته فتركها، وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام. وقال سفيان بن عيينة عن ابن عباس: هو بلعم بن باعوراء، وقال ثقيف: هو أمية بن أبي الصلت، وقال عبد الله بن عمرو في قوله: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } الآية، قال: هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت، وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه الله. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة، ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام.

والمشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة: إنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف، وكان يعلم اسم الله الأكبر، وكان مجاب الدعوة، ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لما نزل موسى بهم يعني بالجبارين ومن معه أتاه - يعني بلعم - بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهكلنا، فادع الله أن يردَّ عنا موسى ومن معه، قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياني وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه الله ما كان عليه، فذلك قوله تعالى: { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } الآية. وقال السدي: لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله:قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [المائدة: 26]، بعث يوشع بن نون نبياً فدعا بني إسرائيل، فأخبرهم أنه نبي، وأن الله أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه، وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له: (بلعام) فكان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم، فكفر - لعنه الله - وأتى الجبارين، وقال لهم: لا ترهبوا بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون، وقوله تعالى: { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه، ولهذا قال: { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } أي من الهالكين الحائرين البائرين، وقد ورد في معنى هذه الآية حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4