يخبر تعالى أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسفاً، والأسف أشد الغضب { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } يقول: بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم، وقوله: { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } يقول: استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر من الله تعالى، وقوله: { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } قيل: كانت الألواح من زمرد، وقيل: من ياقوت، وظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضباً على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } خوفاً أن يكون قد قصَّر في نهيهم كما قال في الآية الأخرى:{ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [طه: 94]، وقال هٰهنا: { ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا تسقني مساقهم ولا تخلطني معهم وإنما قال: { ٱبْنَ أُمَّ } ليكون أرق وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه، فلما تحقق موسى عليه السلام براءة ساحة هارون عليه السلام، عند ذلك { قَالَ } موسى { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } ، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه عزَّ وجلَّ أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح ".