الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

يقول تعالى: { فَٱصْبِرْ } يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، فإن الله سيحكم لك ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني ذا النون وهو (يونس بن متى) عليه السلام حين ذهب مغاضباً على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر، والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، فحينئذٍ نادى في الظلمات:أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87]، قال الله تعالى:فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء: 88]، وقال تعالى:فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 143-144]، وقال هٰهنا: { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } قال ابن عباس ومجاهد: وهو مغموم، وقال عطاء: مكروب، وقد قدمنا في الحديث أنه لما قاللاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] خرجت الكلمة تحنّ حول العرش، فقالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال الله تبارك وتعالى: أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا، قال هذا يونس، قالوا: يا رب عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة، قال: نعم، قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء، فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء، ولهذا قال الله تعالى: { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقوله تعالى: { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } قال ابن عباس ومجاهد { لَيُزْلِقُونَكَْ } لينفذونك { بِأَبْصَارِهِم } أي يحسدونك لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزَّ وجلَّ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية، روى أبو داود عن أنَس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا رقية إلاّ من عين أو حمة أو دم لا يرقأ " وروى ابن ماجه، عن بريدة بن الحصيب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا رقية إلاّ من عين أو حمة " وروى مسلم في " صحيحه " ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا " وعن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين يقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة " ويقول: " هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام " ".


السابقالتالي
2