الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } * { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } * { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } * { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } * { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته هٰهنا، وقيل: المراد بقوله { نۤ } حوت عظيم وقيل: المراد بقوله { نۤ } لوح من نور، وقيل: المراد بقوله { نۤ } الدواة، { وَٱلْقَلَمِ } القلم، روي عن الحسن وقتادة في قوله { نۤ } قالا: هي الدواة، وقوله تعالى: { وَٱلْقَلَمِ } الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى:ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق: 4-5] فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم، من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم، ولهذا قال: { وَمَا يَسْطُرُونَ } قال ابن عباس: يعني وما يكتبون، وقال أبو الضحى عنه { وَمَا يَسْطُرُونَ } أي وما يعملون، وقال السدي { وَمَا يَسْطُرُونَ } يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد، وقال آخرون: بل المراد هٰهنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر، حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف عام، روى ابن أبي حاتم عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: " دعاني أبي حين حضره الموت، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب، قال: يا ربّ وما أكتب؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد " وعن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء " وقال مجاهد { وَٱلْقَلَمِ } يعني الذي كتب به الذكر، وقوله تعالى: { وَمَا يَسْطُرُونَ } أي يكتبون كما تقدم.

وقوله تعالى: { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } أي لست ولله الحمد بمجنون، كما يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى حيث نسبوك إلى الجنون، { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي بل إن لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم، ومعنى { غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع، كقوله:عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود: 108] { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع عنهم، وقال مجاهد { غَيْرَ مَمْنُونٍ }: أي غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه، وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } قال ابن عباس: وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام، وقال عطية: لعلى أدب عظيم، وقال قتادة: " ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن " ، وروى الإمام أحمد عن الحسن قال: " سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن "

السابقالتالي
2