الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

يقول تعالى: { وَكَذَّبَ بِهِ } أي بالقرآن الذي جئتهم به والهدى والبيان { قَوْمُكَ } يعني قريشاً، { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } أي الذي ليس وراءه حق، { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } ، أي لست عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم كقوله:وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29]، أي إنما عليَّ البلاغ وعليكم السمع والطاعة، فمن اتبعني سعد في الدنيا والآخرة، ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } قال ابن عباس: أي لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين، كما قال:وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص: 88] وقال:لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [الرعد: 38]، وهذا تهديد ووعيد أكيد، ولهذا قال بعده: { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ، وقوله: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } أي بالتكذيب والاستهزاء { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ } ، والمراد بذلك كل فرد فرد من آحاد الأمة، أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس أحد معهم ناسياً { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } بعد التذكر { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } ، ولهذا ورد في الحديث: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وقال السدي في قوله: { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ } ، قال: إن نسيت فذكرت { فَلاَ تَقْعُدْ } معهم، وكذا قال مقاتل بن حيان، وهذه الآية هي المشار إليها في قوله:وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [النساء: 140] الآية، أي إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما هم فيه، وقوله: { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } أي إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم، قال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قوله: { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك، أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم، وقال آخرون: بل معناه: وإن جلسوا معهم فليس عليهم من حسابهم من شيء، وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية وهي قوله:إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [النساء: 140]، قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله: { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذٍ تذكيراً لهم عما هم فيه لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.