الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ }

يقول تعالى: إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [الزمر: 42]، فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم وحال حركتهم، كما قال:سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10]، وكما قال تعالى:وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [القصص: 73] أي في الليل،وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [القصص: 73] أي في النهار، كما قال:وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [النبأ: 10-11]، ولهذا قال تعالى ها هنا: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي ما كسبتم من الأعمال فيه، { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } أي في النهار، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وقال ابن جريج: أي في المنام والأول أظهر، وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرد إليه، فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلاّ رد إليه " فذلك قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱلَّيلِ } وقوله: { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى } يعني به أجل كل واحد من الناس، { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } أي يوم القيامة، { ثُمَّ يُنَبِّئُكُم } أي يخبركم { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ويجزيكم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وقوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان كقوله:لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 11] وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [الانفطار: 10] الآية، وكقوله:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18] وكقوله:إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ } [ق: 17] الآية.

وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي احتضر وحان أجله { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي ملائكة موكلون بذلك. قال ابن عباس وغير واحد: لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، وسيأتي عند قوله تعالى:يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [إبراهيم: 27] الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا بالصحة، وقوله: { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } أي في حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عزَّ وجلَّ، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين عياذاً بالله من ذلك، وقوله: { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ }.

السابقالتالي
2