الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

يقول تعالى: { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يؤاخذ أحد بظلمه وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم وما عذبنا أحد إلاّ بعد إرسال الرسل إليهم، كما قال تعالى:وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]، وقوله:وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]، وقال تعالى:كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا } [الملك: 8-9] والآيات في هذا كثيرة. قال ابن جرير: ويحتمل قوله تعالى: { بِظُلْمٍ } وجهين (أحدهما): أي بظلم أهلها بالشرك ونحوه وهم غافلون، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولاً ينبههم على حجج الله عليهم وينذرهم عذاب الله يوم معادهم، ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة، فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. (والوجه الثاني): لم يكن ربك ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر فيظلمهم بذلك، والله غير ظلام لعبيده، ثم شرع يرجح الوجه الأول ولا شك أنه أقوى والله أعلم، قال: وقوله تعالى: { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي ولكل عامل من طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها إن خيراً فخير وإن شراً فشر. (قلت): ويحتمل أن يعود قوله: { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي من كافري الجن والإنس، أي لكل درجة في النار بحسبه، كقوله:قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ } [الأعراف: 38]، وقوله:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [النحل: 88]، { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } ، قال ابن جرير: أي وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه.