الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلماً، وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة وسواء ترك التسمية عمداً أو سهواً، وهو رواية عن الإمام مالك وأحمد بن حنبل، وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية وبقوله في آية الصيد:فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [المائدة: 4]، ثم قد أكد في هذه الآية بقوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ، والضمير قيل: عائد على الأكل وقيل: عائد على الذبح لغير الله، وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديثي عدي بن حاتم: " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " وهو في الصحيحين، وحديث رافع بن خديج: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " وهو في الصحيحين أيضاً، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن: " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " ؛ وعن عائشة رضي الله عنها " أن ناساً قالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: " سموا عليه أنتم وكلوا " قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر " ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها وخشوا أن لا تكون وجدت من أولئك لحداثة إسلامهم، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد، والله أعلم.

والمذهب الثاني في المسألة: أنه لا يشترط التسمية، بل هي مستحبة، فإن تركت عمداً أو نسياناً لا يضر، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله وجميع أصحابه، ورواية عن الإمام أحمد نقلها عنه حنبل، وهو رواية عن الإمام مالك، وحمل الشافعي الآية الكريمة: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } على ما ذبح لغير الله كقوله تعالى:أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145]، وقال عطاء { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ينهي عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان وينهى عن ذبائح المجوس، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي، وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } قال: هي الميتة. وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر إنه أن ذكر، لم يذكر إلاّ اسم الله "

السابقالتالي
2 3