الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

يقول تعالى: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك، جعلنا لكل نبي من قبلك أيضاً أعداء فلا يحزنك ذلك، كما قال تعالى:وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } [الأنعام: 34] الآية، وقال تعالى:مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [فصلت: 43]، وقال تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الفرقان: 31] الآية. وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلاَّ عودي " ، والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر، ولا يعادي الرسل إلاّ الشياطين من هؤلاء وهؤلاء قبحهم الله ولعنهم، قال عبد الرزاق عن قتادة في قوله: { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } قال: من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض. قال قتادة: " وبلغني أن أبا ذر كان يوماً يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن " فقال: أو إن من الإنس شياطين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم " وقال ابن جرير عن أبي ذر قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس قال، فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا، يا رسول الله. قال: " قم فاركع ركعتين " قال: ثم جئت فجلست إليه، فقال: " يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس "؟ قال، قلت: لا يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال: " نعم هم شر من شياطين الجن " ".

(طريق أخرى للحديث) روى ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " يا أبا ذر تعوذت من شياطين الجن والإنس "؟ قال: يا رسول الله وهل للإنس شياطين؟ قال: " نعم " { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } ، فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته، والله أعلم، وعن عكرمة في قوله: { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } قال: للإنس شياطين وللجن شياطين، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وقال السدي عن عكرمة: أما شياطين الإنس فالشياطين التي تضل الإنس، وشياطين الجن التي تضل الجن، يلتقيان فيقول كل واحد منهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا، فيعلم بعضهم بعضاً، وقد روي نحو هذا عن ابن عباس فقال: إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم، قال: فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن، فيقول هذا لهذا: أضلله بكذا، فهو قوله: { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } ولما أخبر عبد الله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحى إليه، فقال: صدق، قال الله تعالى:

السابقالتالي
2