الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }

يقول تعالى: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي الذي خلق كل شيء ولا ولد له ولا صاحبة، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } أي فاعبدوه وحده لا شريك له، وأقروا له بالوحدانية، وأنه لا إلٰه إلاّ هو وأنه لا ولد له ولا والد ولا صاحبة له، ولا نظير ولا عديل { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي حفيظ ورقيب يدبر كل ما سواه ويرزقهم ويكلأهم بالليل والنهار. وقوله: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } فيه أقوال للأئمة من السلف (أحدها): لا تدركه في الدنيا وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت في الصحاح والمسانيد والسنن، كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً أبصر ربه فقد كذب على الله، فإن الله تعالى قال: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } ، وخالفها ابن عباس، فعنه: إطلاق الرؤية، وعنه: أنه رآه بفؤاده مرتين، والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله، وقال يحيى بن معين سمعت إسماعيل بن علية يقول في قول الله تعالى: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } قال هذا في الدنيا، وقال آخرون: { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } أي جميعها، وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة، وقال آخرون من المعتزلة بمقتضى ما فهموه من هذه الآية أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، فخالفوا أهل السنّة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنّة رسوله، أما الكتاب فقوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22-23]، وقال تعالى عن الكافرين:كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15]، قال الإمام الشافعي: فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى، أما السنّة فقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات، وروضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين.

وقال آخرون: لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك، فإن الإدراك أخص من الرؤية، ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم، ثم اختلف هؤلاء في الإدراك المنفي ما هو؟ فقيل معرفة الحقيقة، فإن هذا لا يعلمه إلاّ هو وإن رآه المؤمنون، كما أن من رأى القمر، فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته فالعظيم أولى بذلك وله المثل الأعلى، وقال آخرون: الإدراك هو الإحاطة، قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية، كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم، قال تعالى:وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه: 110]، وفي صحيح مسلم: " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "

السابقالتالي
2