الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبيّ وأضرابه، حين بعثوا إلى يهود بني النضير، يعدونهم النصر من أنفسهم، فقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ، قال الله تعالى: { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي لكاذبون فيما وعدوهم به، ولهذا قال تعالى: { وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } أي لا يقاتلون معهم، { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } أي قاتلوا معهم { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ، وهذه بشارة مستقلة بنفسها، ثم قال تعالى: { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله، كقوله تعالى:إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [النساء: 77]، ولهذا قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } ، ثم قال تعالى: { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ } يعني أنهم من جبنهم وهلعهم، لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام، بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة، ثم قال تعالى: { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي عداوتهم فيما بينهم شديدة كما قال تعالى:وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } [الأنعام: 65]، ولهذا قال تعالى: { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف، قال إبراهيم النخعي: يعني أهل الكتاب والمنافقين { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } ، ثم قال تعالى: { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، قال مجاهد والسدي: يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر، وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع، وهذا القول أشبه بالصواب، فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا.

وقوله تعالى: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين، كمثل الشيطان إذا سوّل للإنسان الكفر ثم تبرأ منه وتنصل، وقال: { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }. روى ابن جرير، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجَر بها، فحملت، فأتاه الشيطان فقال له: اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها قال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأُختكم فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: بل قصها علينا، قال، فقصها؛ فقال الآخر: وأنا والله لقد رأيت ذلك، فقال الآخر: وأنا والله قد رأيت ذلك، قالوا: فوالله ما هذا إلا لشيء، قال: فانطلقوا، فاستَعْدُوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، قال: فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو (برصيصا) فالله أعلم.

السابقالتالي
2