الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم: إما أن يكون من المقربين، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر الله، ولهذا قال تعالى: { فَأَمَّآ إِن كَانَ } أي المحتضر { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات، { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } أي فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت كما تقدم في حديث البراء " إن ملائكة الرحمة تقول: أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب، كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان " ، قال ابن عباس { فَرَوْحٌ } يقول: راحة { وَرَيْحَانٌ } يقول: مستراحة، وكذا قال مجاهد: إن الروح الاستراحة، وقال أبو حرزة: الراحة من الدنيا، وقال سعيد بن جبير: الروح الفرح، وعن مجاهد: { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } جنة ورخاء، وقال قتادة: فروح فرحمة. وقال ابن عباس ومجاهد: { وَرَيْحَانٌ }: ورزق؛ وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة، فإن من مات مقرباً حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } ، وقال أبو العالية: لا يفارق أحد من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيقبض روحه فيه، وقال محمد بن كعب: لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار، وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيميُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [الآية: 27]. وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية. روى الإمام أحمد، " عن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون النسم طيراً يعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها " " ، هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن، ومعنى " يَعْلَق " يأكل، ويشهد له بالصحة أيضاً ما رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك، عن كعب بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " ، وهذا إسناد عظيم ومتن قويم، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش " الحديث. وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمٰن بن أبي ليلى، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " قال: فأكب القوم يبكون فقال: " ما يبكيكم؟ " فقالوا: إنا نكره الموت، قال: " ليس ذاك، ولكنه إذا احتضر { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } ، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله عزّ وجلّ، والله عزّ وجلّ للقائه أحب { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } فإذا بشر بذلك كره لقاء الله، والله تعالى للقائه أكره " ".


السابقالتالي
2