الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } * { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } * { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم { ثُلَّةٌ } أي جماعة من الأولين، وقليل من الآخرين: وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالآخرين هذه الأمة، وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " ، ولم يحك غيره، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال: " لما نزلت { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } شقّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني " " وهذا الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل هو قول ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم، فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي من صدر هذه الأمة، { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } أي من هذه الأمة، قال ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن بكر المزني: سمعت الحسن أتى على هذه الآيةوَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10-11] فقال: أما السابقون فقد مضوا، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين. ثم قرأ الحسن: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } قال: ثلة ممن مضى من هذه الأمة. وعن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } قال: كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة. ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " الحديث بتمامه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن عمار بن ياسر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره " فهذا الحديث محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها، ولهذا قال عليه السلام:

السابقالتالي
2 3