الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } * { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق { وَسُعُرٍ } مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كل من اتصف بذكر من كافر ومبتدع من سائر الفرق، ثم قال تعالى: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أي كما كانوا في سعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار، ويقال لهم تقريعاً وتوبيخاً { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } ، وقوله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، كقولهوَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [الفرقان: 2]، وكقوله تعالىوَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى: 3] أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة، على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة، روى أحمد، عن أبي هريرة قال: " جاء مشركو قريش إلى النبي صلى عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } " وعن عطاء بن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه فقلت له: قد تُكلِّمَ في القدر، فقال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلاّ فيهم: { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحداً منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ".

وفي الحديث الصحيح: " استعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك أمر فقل: قدر الله وما شاء فعل، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان " وروى الإمام أحمد، عن الوليد بن عبادة قال: " دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه. قال: يا بني إنك لن تطعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " ، يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار "

السابقالتالي
2