الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

يقول تعالى: { كَذَّبَتْ } قبل قومك يا محمد { قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون، { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } قال مجاهد: أي استطير جنوناً، وقيل: { وَٱزْدُجِرَ } أي انتهروه وزجروه وتواعدوه،لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } [الشعراء: 116] قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن، { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك، قال الله تعالى: { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } وهو الكثير، { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً، { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } أي من السماء والأرض { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي أمر مقدر. قال ابن عباس: { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب، فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان على أمر قد قدر، { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } قال ابن عباس: هي المسامير، وقال مجاهد: الدسر أضلاع السفينة، وقال عكرمة والحسن: هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحّاك: الدسر طرفاها وأصلها، وقال العوفي، عن ابن عباس: هو كلكلها أي صدرها، وقوله: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا { جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } أي جزاء لهم على كفرهم بالله، وانتصاراً لنوح عليه السلام، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً } قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة، والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن كقوله تعالى:وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41]، وقال تعالى:إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11]، ولهذا قال هٰهنا: { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي فهل من يتذكر ويتعظ؟ وقوله تعالى: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به نذري، وكيف انتصرت لهم وأخذت لهم بالثأر، { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس، كما قال:كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ص: 29]، وقال تعالى:فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } [مريم: 97]، قال مجاهد: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } يعني هوّنّا قراءته، وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن، وقال ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عزّ وجلّ، وقوله: { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه؟ وقال القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي؟ وروى ابن أبي حاتم، عن مطر الوراق في قوله تعالى: { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } هل من طالب علم فيعان عليه.