الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } * { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه علَّمه { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى:إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [التكوير: 19-20]. وقال هاهنا: { ذُو مِرَّةٍ } أي ذو قوة، قاله مجاهد، وقال ابن عباس: ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن، ولا منافاة بين القولين فإنه عليه السلام ذو منظر حسن وقوة شديدة، وقد ورد في الحديث الصحيح: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرّة سوي " ، وقوله تعالى: { فَٱسْتَوَىٰ } يعني جبريل عليه السلام { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } يعني جبريل استوى في الأفق الأعلى، قال عكرمة { ِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } الذي يأتي منه الصبح، وقال مجاهد: هو مطلع الشمس، قال ابن مسعود: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين: أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأُفق، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد، فذلك قوله: { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } " وهذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء بل قبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، ثم رآه بعد ذلك نزلة أُخْرى عند سدرة المنتهى يعني ليلة الإسراء، وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة، فأوحى الله إليه صدر سورة اقرأ، روى الإمام أحمد، عن عبد الله أنه قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأُفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم ".

وقوله تعالى: { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } أي فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض، حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم { قَابَ قَوْسَيْنِ } أي يقدرهما إذا مدّا، قال مجاهد وقتادة. وقوله: { أَوْ أَدْنَىٰ } هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه، ونفي ما زاد عليه كقوله تعالى:ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة: 74] أي ما هي بألين من الحجارة بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة، وكذا قوله:يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [النساء: 77]، وقوله:وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] أي ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة أو يزيدون عليها، فهذا تحقيق للمخبر به لا شك، وهكذا هذه الآية { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني إنما هو جبريل عليه السلام، هو قول عائشة وابن مسعود وأبي ذر كما سنورد أحاديثهم قريباً إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4