الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

يقول تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ } قبل هؤلاء المكذبين { مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة. ولهذا قال تعالى: { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ }. قال مجاهد: { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } ضربوا في الأرض. وقال قتادة: فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب. ويقال لمن طوف في البلاد، نقب فيها، وقوله تعالى: { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل من مفر لهم من قضاء الله وقدره؟ وهل نفعهم ما جمعوه لما كذبوا الرسل؟ فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد، وقوله عزّ وجلّ: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي لعبرة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي لب يعي به، وقال مجاهد: عقل، { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } أي استمع الكلام فوعاه، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه، وقال الضحّاك: العرب تقول: ألقى فلان سمعه إذ استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب، وقوله سبحانه وتعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } فيه تقرير للمعاد، لأن من قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي يخلقهن، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى. وقال قتادة: قالت اليهود - عليهم لعائن الله - خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه: { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } أي من إعياء ولا تعب ولا نصب، كما قال تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأحقاف: 33] وكما قال عزَّ وجلَّ:لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57]؟ وقال تعالى:أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27].

وقوله عزّ وجل: { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } ، وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً، ثم نسخ في حق الأمة وجوبه. ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات. ولكن منهن صلاة (الصبح والعصر) فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، وقد روى الإمام أحمد، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: " أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا "

السابقالتالي
2