الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } * { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } * { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل آدم، أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } أي معتد محضر بلا زيادة ولا نقصان، وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق يقول: هذا ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته، وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد، وله اتجاه وقوة، فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } ، وقد اختلف النحاة في قوله: { أَلْقِيَا } فقال بعضهم: هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلما أدى الشهيد عليه، أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } أي كثير الكفر والتكذيب بالحق { عَنِيدٍ } معاند للحق معارض له بالباطل مع علمه بذلك، { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق، لا بر ولا صلة ولا صدقة، { مُعْتَدٍ } أي فيما ينفقه ويصرفه، يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره، { مُّرِيبٍ } أي شاك في أمره، مريب لمن نظر في أمره، { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } أي أشرك بالله فعبد معه غيره، { فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد. ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم " { قَالَ قرِينُهُ } قال ابن عباس ومجاهد: هو الشيطان الذي وكل به، { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } أي يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } أي أضللته، { وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي بل كان هو في نفسه ضالاً، معانداً للحق، كما أخبر سبحانه في قوله:وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم: 22] الآية. وقوله تبارك وتعالى: { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } يقول الرب عزّ وجلّ للإنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى، فيقول الإنسي: يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان: { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي عن منهج الحق، فيقول الرب عزّ وجلّ لهما { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } أي عندي، { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبراهين، { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاض، { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي لست أعذب أحداً بذنب أحد، ولكن لا أعذب أحداً إلاّ بذنبه، بعد قيام الحجة عليه.