الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

قال ابن عباس وسعيد بن جبير في قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } يعني ما يصطاد منه طرياً { وَطَعَامُهُ } ما يتزود منه مليحاً يابساً، وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه: صيده ما أخذ منه حياً { وَطَعَامُهُ } ما لفظه ميتاً. قال سفيان بن عيينة عن أبي بكر الصديق أنه قال: { طَعَامُهُ } كل ما فيه. وقال ابن جرير: خطب أبو بكر الناس فقال: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ } وطعامه ما قذف. وقال عكرمة عن ابن عباس قال: طعامه ما لفظ من ميتة. وقال ابن جرير إن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر فقال: إن البحر قد قذف حيتاناً كثيرة ميتة أفنأكلها كلها؟ فقال: لا تأكلوها، فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة، فأتى هذه الآية: { وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } فقال: اذهب، فقل له فليأكله فإنه طعامه. وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه. وقوله: { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أي منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون، { وَلِلسَّيَّارَةِ } ، وهم جمع سيار، قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر. وقال غيره. والطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر، وطعامه ما مات فيه أو اصطيد منه وملح، وقد يكون زاداً للمسافرين والنائين عن البحر. وقد استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الآية الكريمة، وبما رواه الإمام مالك عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قِبَل الساحل، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلثمائة، وأنا فيهم، قال: فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، قال: فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني، فلم يكن يصيبنا إلاّ تمرة تمرة، فقال: فقد وجدنا فقدها حين فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظَّرِب، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبنا، ثم أمر براحلة، فرحلت ومرت تحتهما فلم تصبهما. وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، وله طرق عن جابر.

وفي صحيح مسلم عن جابر: فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا بدابة يقال لها العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن، ويقتطع منه القدر كالثور، قال: ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً، فأقعدهم في وقب عينيه، وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها، ثم رحّل أعظم بعير معنا فمر من تحته، وتزودنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال:

السابقالتالي
2 3