يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار، وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الشطرنج من الميسر، رواه ابن أبي حاتم، قال مجاهد وعطاء: كل شيء من القمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز. وروي عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله، وقالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان، وقال ابن عمر وابن عباس: الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة. وقال مالك: كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين وقال الزهري: الميسر الضرب بالقداح على الأموال والثمار. وقال القاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر، وكأن المراد بهذا هو النرد الذي ورد الحديث به في صحيح مسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه " ، وفي موطأ مالك عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لعب النرد فقد عصى الله ورسوله " ، وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر: إنه شر من النرد، وتقدم عن علي أنه قال: هو من الميسر، ونص على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد، وكرهه الشافعي رحمهم الله تعالى، وأما الأنصاب فقال ابن عباس ومجاهد: هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها، وأما الأزلام فقالوا أيضاً: هي قداح كانوا يستقسمون بها، وقوله تعالى: { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } ، قال ابن عباس: أي سخط من عمل الشيطان، وقال سعيد بن جبير: إثم، وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان، { فَٱجْتَنِبُوهُ } الضمير عائد على الرجس أي اتركوه، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وهذا ترغيب، ثم قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } وهذا تهديد وترهيب. (ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر) قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } [البقرة: 219] إلى آخر الآية، فقال الناس ما حرما علينا، إنما قال:{ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } [البقرة: 219] وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوماً من الأيام صلى رجل من المهاجرين، أم أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته، فأنزل الله آية أغلظ منها: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } ، فكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغبق، ثم أنزلت آية أغلظ منها: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قالوا: انتهينا ربنا، وقال الناس: يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على سرفهم، كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان فأنزل الله تعالى: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } إلى آخر الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: