الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة بأنهم وصفوه بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقير، وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا: { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } ، قال ابن عباس: { مَغْلُولَةٌ }: أي بخيلة. لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكن يقولون: بخيل، يعني أمسك ما عنده بخلاً، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. وقد قال عكرمة إنها نزلت في (فنحاص اليهودي) عليه لعنة الله، وقد تقدم أنه الذي قال:إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [آل عمران: 181]، فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال، قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } وقد رد الله عزَّ وجلَّ عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه فقال: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } ، وهكذا وقع لهم، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم، كما قال تعالى:أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النساء: 54]، وقال تعالى:ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } [آل عمران: 112] الآية، ثم قال تعالى: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } أي بل هو الواسع الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلاّ عنده خزائنه الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه، كما قال:وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34] والآيات في هذا كثيرة. وقد قال أبو هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه - قال - وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض، وقال: يقول الله تعالى: " أنفق أنفق عليك " أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى: { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } أي يكون ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقاً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً، يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء { وَكُفْراً } أي تكذيباً كما قال تعالى:قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 44]، وقال تعالى:وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [الإسراء: 82]، وقوله تعالى: { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } يعني أنه لا تجتمع قلوبهم، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائماً، لأنهم لا يجتمعون على حق وقد خالفوك وكذبوك.

السابقالتالي
2