الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

وهذا أيضاً مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس، وهم يخالفون حكم ذلك عمداً وعناداً، ويقيدون النضري من القرظي، ولا يقيدون القرظي من النضري، بل يعدلون إلى الدية، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار، ولهذا قال هناك:وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } [المائدة: 44] لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً، وقال هٰهنا { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، فخالفوا وظلموا وتعدوا بعضهم على بعض. وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا حكي مقرراً ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور، والحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة. وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم: " أن الرجل يقتل بالمرأة " ، وفي الحديث الآخر: " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ، وهذا قول جمهور العلماء، وعن أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلاّ أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية، لأن ديتها على النصف من دية الرجل، وإليه ذهب أحمد في رواية، واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي، وعلى قتل الحر بالعبد، وقد خالفه الجمهور فيهما. ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مسلم بكافر " ، وأما العبد ففيه عن السلف آثار متعددة، أنهم لم يكونوا يفيدون العبد من الحر، ولا يقتلون حراً بعبد، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلاّ بدليل مخصص للآية الكريمة.

ويؤيد الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت عن أنس بن مالك، " أن الربيع عمة أنس كسرت ثنية جارية، فطلبوا إلى القوم العفو، فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " القصاص " ، فقال أخوها أنس بن النضر: يا رسول الله تكسر ثنية فلانة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أنس كتاب الله القصاص " قال، فقال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة، قال: فرضي القوم، فعفوا، وتركوا القصاص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره "

السابقالتالي
2 3