الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } قال ابن عباس: أي القربة، وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضاً عَلَمٌ على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلاّ حلت له الشفاعة يوم القيامة " ، (حديث آخر): في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " (حديث آخر): عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " " إذا صليتم عليّ فسلوا لي الوسيلة " ، قيل: يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: " أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلاّ رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو " عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلاّ كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ".

وقوله تعالى: { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء، من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم. والتاركين للدين القويم، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة، التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة، الآمنة الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي من سكنها ينعم لا ييأس، ويحيى لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهباً وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به، وتيقن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه بل لا مندوحة عنه ولا محيص ومناص ولهذا قال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي موجع، { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2