الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز، قيل أنه منسوخ، وقال آخرون وهم الأكثرون بل هو محكم، ومن ادعى نسخه فعليه البيان، فقوله تعالى: { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ }. هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم. فقيل: تقديره شهادة اثنين حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: دل الكلام على تقدير: أن يشهد اثنان، وقوله تعالى: { ذَوَا عَدْلٍ } وصف الاثنين بأن يكونا عدلين، وقوله: { مِّنْكُمْ } أي من المسلمين، قاله الجمهور. قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } ، قال: من المسلمين. قال ابن جرير: وقال آخرون عنى ذلك { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي من أهل الموصي، وقوله: { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال ابن أبي حاتم، قال ابن عباس في قوله: { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال: من غير المسلمين، يعني أهل الكتاب، وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله: { مِّنْكُمْ } أن المراد من قبيلة الموصي، يكون المراد هٰهنا { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي من غير قبيلة الموصي، وقوله تعالى: { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي سافرتم { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية، كما قال ابن جرير عن شريح: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلاّ في سفر، ولا تجوز في سفر إلاّ في الوصية، وروي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل وخالفه الثلاثة، فقالوا: لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين، وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضاً.

وقال ابن جرير عن الزهري قال: مضت السنة أن لا تجوز شهادة الكافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين. وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام والأرض حرب، والناس كفار، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل الناس بها، رواه ابن جرير. وفي هذا نظر والله أعلم. وقال ابن جرير: اختلف في قوله: { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما؟ على قولين (أحدهما): أن يوصي إليهما، سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية قال: هذا رجل سافر ومعه مال فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، (والقول الثاني): أنهما يكونا شاهدين، وهو ظاهر سياق الآية الكريمة، فإن لم يكن وصي ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان الوصاية والشهادة، كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء كما سيأتي ذكرها إن شاء الله وبه التوفيق.

السابقالتالي
2 3