الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: { قُل } يا محمد { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ } أي يا أيها الإنسان { كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار كما جاء في الحديث: " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " وقال أبو القاسم البغوي عن أبي أمامة: إن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " ، وقال البخاري عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، وقال فيها: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، لهم حنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: " فلان " ، فنزلت هذه الآية: { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } ، وعن أبي هريرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل، فقال: أين أبي؟ قال: " في النار " ، فقام آخر فقال: من أبي؟ فقال: " أبوك حذافة " ، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماماً، إنَّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك. والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه. ونزلت هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } الآية " ، إسناد جيد، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف، منهم السدي. قال البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } ، حتى فرغ من الآية كلها.

السابقالتالي
2 3