الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

يقول تعالى منكراً على الأعراب، الذين ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ، وقد استفيد أن الإيمان أخص من الإسلام، ويدل عليه حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعم، إلى الأخص، روى الإمام أحمد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: " أعطى رسول الله صلى الله عليه سلم رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً، فقال سعد رضي الله عنه: يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلاناً شيئاً وهو مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أو مسلم؟ " حتى أعادها سعد رضي الله عنه ثلاثاً والنبي يقول: " أو مسلم؟ " ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعطي رجالاً وأدع من هو أحبُّ إليَّ منهم، فلم أعطه شيئاً مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم " ، فقد فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام، ودل على أن ذاك الرجل كان مسلماً ليس منافقاً، لأنه تركه من العطاء، ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فهؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك، وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا }: أي استسلمنا خوف القتل والسبي، قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة، وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا، وإنما قيل لهؤلاء تأديباً: { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد، ثم قال تعالى: { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } أي لا ينقصكم من أجوركم شيئاً كقوله عزّ وجلّ:وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } [الطور: 21]، وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لمن تاب إليه وأناب.

وقوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي إنما المؤمنون الكمَّل { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } أي لم يشكوا ولا تزلزلوا، بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض، { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة، وقوله سبحانه وتعالى: { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ } أي أتخبرونه بما في ضمائركم؟ { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، ثم قال تعالى: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } يعني الأعراب الذين يمنُّون بإسلامهم ومتابعتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى رداً عليهم: { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه، { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي في دعواكم ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين:

السابقالتالي
2