الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

يقول تعالى مخبراً عن الكفار من مشركي العرب، من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي هم الكفار دون غيرهم { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي وأنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله، وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنة، وقوله عزَّ وجلَّ: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم، خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل، ولهذا قال تعالى: { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } أي إثم وغرامة { بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، ثم قال تبارك وتعالى: { لَوْ تَزَيَّلُواْ } أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلاً ذريعاً. عن جنيد بن سبيع قال: " قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وفينا نزلت: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ } ، قال: كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين ". وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يقول: لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم، وقوله عزَّ وجلَّ: { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } وذلك حين أبوا أن يكتبوا: بسم الله الرحمٰن الرحيم، وأبوا أن يكتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } وهي قول: لا إلٰه إلا الله، كما قال ابن جرير " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال: " لا إلٰه إلا الله " " ، وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب إن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلٰه إلا الله فمن قال: لا إلٰه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزَّ وجلَّ " ، وأنزل الله عزَّ وجلَّ في كتابه وذكر قوماً فقال:إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات: 35]، وقال الله جلَّ ثناؤه: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } وهي لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله، فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية، فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه سلم على قضية المدة، وقال مجاهد: كلمة التقوى الإخلاص، وقال عطاء: هي لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وقال علي رضي الله عنه: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال: لا إلٰه إلا الله والله أكبر، وقال ابن عباس { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } يقول شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله وهي رأس كل تقوى، وقال سعيد بن جبير: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } لا إلٰه إلا الله والجهاد في سبيله، { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر.

السابقالتالي
2 3 4 5